التكاثر (تأسيس الطائفة) ونظام الطبقات في النمل:
إن تكوين مستعمرة (طائفة) جديدة للنمل يتم بطريقتين إما عن طريق تلقيح ملكة جديدة أثناء الطيران أو عملية تطريد، والتزاوج يحدث في الهواء وكثيراً ما يحدث بين أفراد المستعمرات المختلفة وتهبط الملكة الملقحة بعد التزاوج إلى الأرض مرة أخرى وأول شيء تفعله هو تحرير نفسها من أجنحتها وهي تفعل ذلك بتحريكها إلى الخلف وإلى الأمام أو بحكها بسوق النباتات، وبشدها بأرجلها وفكوكها حتى تكسرها وتتغير غرائزها وتبتعد عن ضوء النهار وتسرع في النزول تحت الأرض، وتأخذ الملكة من الذكر قدراً من الحيوانات المنوية تكفيها طول حياتها وعندما تهبط إلى الأرض فإنها تفعل عادة أحد أشياء ثلاثة: إما أن ترجع إلى عشها الأصلي، وإما أن تدخل عشاً آخر غير عشها الأصلي، وإما أن تبني لنفسها عشاً جديداً، والطريقة الأخيرة هي الطريقة المتبعة عادة فتحفر الملكة فجوة وتظل في عزلة حتى تتهيأ لوضع البيض وتعيش الملكة أثناء هذه الفترة التي قد تطول لعدة شهور على الغذاء المختزن في جسمها وذلك حتى تبقى على حياتها وعضلات أجنحتها المكسورة الضامرة مصدراً للمواد الغذائية المخزونة، وتبدأ الملكة في وضع البيض وعندما تفقس البيض تقوم بتغذية اليرقات الناتجة، وبذلك فهي تعتني بالجيل الأول من الشغالات الذي يعتني بباقي الحضنة بعد ذلك وبذلك تتزايد الشغالات وتربي الملكات والذكور وتتكون الطائفة.
وبعد خروج الشغالات فإن أول ما تفعله هو الخروج من تحت الأرض حتى تتمكن من الاتصال بالعالم الخارجي وتخصص الملكة بقية حياتها لوضع البيض تاركة لخلفتها من الشغالات أداء جميع الوظائف الأخرى التي يحتاجها العش وتعيش الملكة طويلاً وتتخصص بالتتابع مجموعة من الشغالات تتولى تغذية الملكة والعناية بها في العش من سائل ترجعه من أفواهها.
وبصفة عامة فإن مستعمرة النمل ذات ملكة واحدة وعدد كبير من الشغالات وقليل من الذكور كما هو الحال في النحل، واليرقات يمكنها التحول إلى أي طبقة متوقفاً ذلك على الجنس والغذاء.
وفي بعض أنواع النمل من Dorylinar Pnerinae ليست للملكة أجنحة وتبقى في العش وتبحث عن الذكور المختبئة وتجذبها عن طريق الفرمونات لتلقيحها وفي نوع آخر من النمل لا يتم التلقيح إلا بعد أن تفقد الذكور أجنحتها وبذا تنضج جنسياً وتقوم بتلقيح الملكة.
ذكاء السرب
لقد دفعت الحشرات التي تعيش في مستعمرات ـ كالنحل والنمل والزنابير والأرضة ـ الباحثين من علماء الطبيعة حتى الفنانين أن يتسائلوا عن أشياء كثيرة محيرة حتى كتب الشاعر البلجيكي موريس ميترلئك يقول
من ذا الذي يحكم هنا؟ ومن ذا الذي يصدر الأوامر ويستشف المستقبل؟ ويرسم الخطط ويحافظ على التوازن؟ إنها حقاً أسئلة محيرة. يبدو أن لكل حشرة في أية مستعمرة جدول أعمال خاص بها، ومع ذلك فإن المستعمرة في مجموعها تبدو على درجة من التنظيم، ومن الواضح أن التكامل التام بين جميع الأنشطة الفردية يتم دون حاجة إلى أي إشراف، وفي الوقع أن العلماء المشتغلين بدراسة سلوك الحشرات الاجتماعية قد وجدوا أن التعاون على مستوى المستعمرة هو بالدرجة الأولى مسألة تنظيم ذاتي، ففي حالات عديدة ينشأ التنسيق عن تأثيرات لأفراد فيما بينها، وعلى الرغم من أن هذه التأثيرات تكون بسيطة (كأن تقتصر إحدى النملات على اقتفاء الأثر الذي تركته أخرى) فهي في مجموعها يمكن أ، تحل مشكلات صعبة (مثل اكتشاف أقصر طريق إلى مصدر الغذاء من بين مسارات لا حصر لها)، وهذا السلوك الاجتماعي الذي يتحلى لدى مجموعة ما من الحشرات الاجتماعية ـ قد أطلق عليه اسم : (ذكاء السرب).
لغة التواصل بين الحشرات
إن للحشرات لغة تفاهم كل نوع بين بعضهم البعض فهناك التواصل بالرؤية، فالألوان الموجودة على الأجنحة لها أدلتها للتعارف، والرقص في عالم النحل له مدلوله ومعناه، والضوء الذي تصدره بعضا لحشرات له معنى ومغزى لا يفهمه إلا أفراد نوعه. والأصوات التي تطلق الحشرات والتي تأخذ أنماطاً معينة، وقد يكون بقصد التزاوج وإنتاج النسل، أو للتجمع ولم الشمل أو بقصد الإنذار أو التحذير.
وهناك التواصل عن طريق إفراز بعض المواد الكيميائية (الفيرمونات) لتحديد خط السير كما في (النمل)، أو التزاوج (كما في الفراشات)، أو للتجمع للهجرة (كما في الجراد).
فالحيوانات لها لغتها ولها تسبيحها الخاص بها الله الواحد القهار سواء كانت صغيرة أم كبيرة تعيش تحت سطح الأرض أو فوقها أو تعيش في الماء أو الهواء.
وصدق الله رب العالمين القائل: (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) (الإسراء 44). وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة فلدغته نملة، فأمر بجهازه، فأخرج من تحتها، ثم أمر ببيتها فأحرق بالنار، فأوحى الله إليه: فهلا نملة واحدة) ؟! (رواه البخاري ومسلم). وفي رواية (فأوحى الله إليه: أن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح). ويحكي لنا الحق ـ سبحانه وتعالى ـ قصة النملة التي شاهدت سيدنا سليمان وجنوده وهم يجتازون الوادي الذي تعيش فيه، فما كان منها إلا أن طلبت من رفاقها أن يدخلوا مساكنهم تحت الأرض حتى لا تدوسهم الأقدام، وفي ذلك يقول الحق ـ سبحانه وتعالى ـ: (حتى إذا أتوا إلى وادي النمل قالت نملة يا أيها النمل أدخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون). النمل 18
في هذه الآية الكريمة يبين لنا المولى ـ سبحانه وتعالى ـ أن هذه المخلوقات التي خلقها الله وسخرها لنا ما هي إلا أمم أمثالنا لها نظامها وحياتها، وتخطيطها ومعيشتها ولغتها وصدق الحق ـ سبحانه وتعالى ـ إذ يقول: (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم).